جلسة 29 من يونيو سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ على فكرى حسن صالح.
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ يحيي خضرى نوبى محمد، وأحمد عبدالحميد حسن عبود، وأحمد حلمى محمد أحمد حلمى، ومحمد أحمد محمود محمد.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/أحمد الشحات
مفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 4900 لسنة 44 قضائية عليا
ـ إثبات الجنسية ـ شرط الإقامة ـ تقدير الحالة الظاهرة.
المادة (1) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية.
حدد المشرع فى المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 المصريين فى تطبيق أحكامه، وقصرهم على ثلاث طوائف من بينها ما نص عليه فى البند (ثانياً) من هذا المرسوم والذى أحال فى تحديد المصريين إلى الأمر العالى الصادر فى 29 يونيو سنة 1900، فأصبح هذا الأمر بمقتضى هذه الحالة جزءاً من قانون الجنسية التشريعية ـ بسط المشرع الجنسية المصرية بموجب البند ثالثاً “على طائفة من العثمانيين لم يتطلب منهم سوى الإقامة فى القطر المصرى والمحافظة عليها خلال فترة حددها، مع أن الأصل أن الإقامة وحدها لا تكفى عادة لاكتساب الجنسية، ولذا فإن منحهم الجنسية المصرية مرهون بتحقق شرط الإقامة خلال المدة من 5 نوفمبر 1914 حتى 10 مارس 1929 ـ واقعة الإقامة لم يستلزم المشرع لإثباتها طريقاً خاصاً أو وسيلة بعينها، إلى جانب أن إثبات الإقامة فى مثل هذه الحالة تكتنفه صعوبات وملابسات خاصة مردها إلى قدم عهد الإقامة وعدم تحسب ذوى الشأن لها مما يقتضى النظر إلى أدلة إثباتها بقدر من المرونة والعدالة حتى لا يفضى الأمر إلى تكليف بما هو أشبه بالمستحيل فيما يخص كيان شخص ومصيره ـ المستندات المقدمة لإثبات الإقامة ـ ولو كانت عرفية ـ منشئة لقرينة لصالح ذوى الشأن لا يسوغ لجهة الإدارة إغفالها إلا إذا ثبت لديها فسادها أو وجد من المستندات
ما يناقضها ـ تطبيق.
ـ سقوط الجنسية المصرية ـ التجنس بجنسية أجنبية ـ أثره.
المادتان (10، 16) من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية.
التجنس بجنسية أجنبية لا يؤثر على المركز القانونى للمواطن بحرمانه من الجنسية المصرية الأصلية عند تحقق إحدى حالاتها فى شأنه ـ أساس ذلك: أن المشرع فى قانون الجنسية لم يحظر على المصريين ـ كأصل عام ـ الحصول على جنسية أجنبية إلى جانب جنسيتهم المصرية، ولم يرتب على مجرد الحصول على الجنسية الأجنبية سقوط الجنسية المصرية إلا إذا قرر مجلس الوزراء ذلك عملاً بنص المادتين 10، 16 من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية ـ تطبيق.
فى يوم الأربعاء الموافق 6 من مايو سنة 1998 أودع الأستاذ/ توفيق محمد حواش المحامى بالنقض بصفته وكيلاً عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن ـ قيد برقم 4900 لسنة 44 قضائية عليا ـ فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى/ الدائرة الأولى بالقاهرة فى الدعوى رقم 694 لسنة 49 ق بجلسة 24/3/1998، والقاضى فى منطوقه” حكمت المحكمة: بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت المدعى المصروفات”.
وطلب الطاعن ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بثبوت الجنسية المصرية له وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وجرى إعلان الطعن للمطعون ضدهما على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً برأيها القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 2/8/1999، وتدوول بجلسات المرافعة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 15/11/1999 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى/ موضوع) لنظره بجلسة 16/1/2000، ونظرت المحكمة الطعن على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 24/11/2001 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 16/2/2002 مع التصريح بتقديم مذكرات فى شهر، وخلال هذا الأجل أودع الطاعن مذكرة دفاع خلص فيها إلى طلباته الواردة بصحيفة الطعن.
وبجلسة 16/2/2002 قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 20/4/2002 ثم لجلسة 25/5/2002 وجلسة 29/6/2002 لإتمام المداولة.
وبجلسة 29/6/2002 قررت المحكمة إعادة الطعن للمرافعة بجلسة اليوم لتغيير تشكيل الهيئة ثم إصدار الحكم آخر الجلسة حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من سائر الأوراق ـ فى أنه بتاريخ 23/10/1994 أقام الطاعن الدعوى رقم 694 لسنة 49ق. أمام محكمة القضاء الإدارى/ الدائرة الأولى بالقاهرة، طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفى الموضوع بثبوت جنسيته المصرية وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال شرحاً لدعواه: إنه ولد بتاريخ 3/4/1923 بالصالحية محافظة الشرقية من أب مصرى هو / عبدالله على عودة أبوعكر مواليد الفيوم بتاريخ 22/12/1896، وقد فؤجئ باستدعاء مباحث أمن الدولة له وعرضه على مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية مع التوصية بسحب ما لديه من مستندات مصرية ومعاملته بالجنسية الفلسطينية، وهو ما يعنى إسقاط الجنسية المصرية عنه رغم أنه مصرى ويحمل جواز سفر مصرى ويعامل منذ الميلاد معاملة المصريين، كما أنه ينحدر من عائلة أبوعكر وهى من عرب الشرقية والفيوم ورحل البعض منها إلى منطقة الشيخ زويد بشمال سيناء وأقاموا بها إقامة دائمة وجميعهم يتمتعون بالجنسية المصرية، وقد سبق لمصلحة الجوازات والجنسية أن أقرت لبعض أفراد العائلة بثبوت الجنسية المصرية.
وأضاف المدعى بأن لديه من المستندات ما يؤكد جنسيته المصرية، مثل جواز سفره، وبطاقته العائلية، وشهادة ميلاد والده وعقد زواجه، وعدة قرارات صادرة من لجنة بحث جنسية أهالى سيناء بالاعتراف بالجنسية المصرية لبعض أفراد عائلته، إلى جانب بعض الأحكام القضائية وعقود البيع العرفية التى يتبين منها وجود عائلته بمصر منذ زمن بعيد، مما يعنى توافر شرط الإقامة والتوطن بالبلاد فى حقها صعوداً مع الأصل ونزولاً مع الفرع، وأنه بفرض أنه من أصل فلسطينى كما زعمت جهة الإدارة فإن أبناء فلسطين هم رعايا عثمانيون ينطبق عليهم نص المادة الثالثة من المرسوم الصادر فى 26/5/1926 بشأن الجنسية المصرية، كما أن صحيح القانون يوجب اعتباره مصرياً طبقاً لنص المادة السادسة فقرة (1) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 وإعمالاً لنص المادة الثانية فقرة (1) من القانون رقم 160 لسنة 1950 وكذلك المادة (1) فقرة /2 من القانون رقم 26 لسنة 1975، وذلك لكونه مولوداً لأب مصرى على أرض مصر، بالإضافة إلى توافر عناصر الحالة الظاهرة فى حقة حيث إن اسمه مصرى ويعامل منذ ولادته معاملة المصريين واشتهر بين الكافة أنه مصرى الجنسية.
ونعى المدعى على القرار المطعون فيه أنه قرار معدوم ومخالف للقانون، إذ إنه صدر من غير ذى صفة بإسقاط الجنسية المصرية عنه مع أن هذا القرار لا يمكله سوى مجلس الوزراء وفقاً للشروط والأسباب المحددة على سبيل الحصر فى المادة (16) من القانون رقم 26 لسنة 1975 والتى لا تتوافر فى شأنه، وخلص المدعى فى ختام صحيفة دعواه إلى طلباته سالفة الذكر.
وبجلسة 24/3/1998 أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها المطعون فيه برفض الدعوى، وشيدت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن المدعى من مواليد سنة 1923 وأن والده من مواليد سنة 1889، ومن ثم تتحدد جنسيته تبعاً لجنسية والده الذى كان بالغاً سن الرشد فى 10 مارس سنة 1929 تاريخ صدور المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929، مما يستلزم تقديم المستندات الدالة على إقامة والده بالبلاد خلال المدة التى تطلبها القانون وهى المدة من عام 1914 حتى عام 1929، وإذ كان الثابت من الأوراق أن المدعى فلسطينى الجنسية من مواليد صرافند بفلسطين، وأنه تمكن خلال الفترة من عام 1958 حتى عام 1980 من استخراج وثيقة سفر مصرية للاجئين الفلسطينيين ثم قام بعد ذلك باستخراج وثيقة سفر قطرية باعتباره قطرى الجنسية، وقد قامت الجهات الأمنية بسحب كافة المستندات المصرية التى بحوزته التى استخرجت على غير سند من القانون، كما قامت جهة الإدارة بعرض حالته على لجنة بحث جنسية أهالى سيناء بناءً على طلبه فقررت اللجنة بجلستها المعقودة بتاريخ 12/10/1993 عدم تمتعه بالجنسية المصرية وكلفته بتقديم المستندات الدالة على تمتعه بهذه الجنسية وبإقامة والده خلال المدة من عام 1914 حتى 1929 إلا أنه قدم صور بعض المستندات العرفية ولم يقدم أصولها رغم أن عبء إثبات الجنسية يقع على من يتمسك بها، كما طلبت المحكمة من المدعى تقديم أصول المستندات العرفية التى تثبت إقامة والده بالبلاد خلال المدة المشار إليها، إلاَّ أنه لم يقدم شيئاً واكتفى بشهادات الميلاد والبطاقات الشخصية والعائلية وبعض المستندات الأخرى التى لم تعد أصلا لإثبات الجنسية، ومن ثَمَّ فإن الدعوى ـ والحالة هذه ـ تكون قد أقيمت مفتقرة إلى الدليل المؤيد لها، خليقة بالرفض.
بيد أن هذا القضاء لم يلق قبولاً من المدعى فأقام طعنه الماثل ينعى فيه على الحكم المذكور مخالفته للقانون للأسباب التالية:
أولاً: أنه التفت عن أصول المستندات المقدمة منه والمثبتة لإقامة والده بالبلاد خلال المدة من عام 1914 حتى عام 1929، حيث اكتفت المحكمة بالاطلاع على بعض صور هذه المستندات، ولو أن المحكمة اطلعت على هذه الأصول لتبين لها أنه يتمتع بالجنسية المصرية بالتبعية لوالده طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 والقانون رقم 26 لسنة 1975 خاصة وأن جهة الإدارة لم تقدم ما يفيد تمتع والده بجنسية أخرى غير الجنسية المصرية.
ثانياً: أن الحكم المطعون فيه حجب نفسه عن تطبيق القانون رقم 19 لسنة 1929 والذى يعتبر والده مصرياً وفقاً لأحكامه، حيث إنه كان مقيماً فى مصر منذ ولادته فى 22/12/1896 وكانت له معاملات تفيد توطنه بالبلاد خلال الفترة التى تطلبها القانون، وظل محافظاً على إقامته بمصر حتى تاريخ وفاته ودفنه بمقابرها، وأن ما ذكرته جهة الإدارة من أنه (أى الطاعن) فلسطينى الجنسية قد جاء على أقوال مرسلة لا سند لها من الواقع
أو القانون، وعلى فرض أنه يحمل الجنسية الفلسطينية فإن ذلك لا ينفى تمتعه بالجنسية المصرية لميلاده لأب مصرى.
ثالثاً: أن الحكم المطعون فيه خالف قواعد العدالة وإهدار القرائن التى يحتمى بها الطاعن، حيث شيَّد الحكم على ما سطرته جهة الإدارة من أقوال مرسلة تفيد أنه من مواليد صرافند بفلسطين، وأنه تمكن من استخراج وثيقة سفر مصرية للاجئين الفلسطينيين وأخرى قطرية باعتباره قطرى الجنسية، علمًا بأن المحكمة كلفت جهة الإدارة بجلسة 13/5/1997 بتقديم الأوراق التى تثبت ذلك، ولم تقدم الإدارة ما طلبته المحكمة، ومع ذلك التفتت المحكمة عن هذه الطلبات دون أن تشير إليها فى الحكم، كما التفتت عن الشهادة الصادرة من وزارة الداخلية القطرية والتى تفيد أنه يقيم بالبلاد بوصفه مصرى الجنسية، وكذلك عن المحضر رقم 969 لسنة 1993 إدارى القنطرة الذى يفيد صحة الإجراءات التى قام بها للحصول على بطاقة عائلية والذى تم حفظه من النيابة العامة.
رابعاً: أن مستندات الميلاد والزواج والتعاملات المختلفة وإن كانت لم تعد لإثبات الجنسية، لكنها وثائق مكتوبة دالة بذاتها على وقائع قانونية وقعت فى تاريخها، والثابت أن والد الطاعن ولد فى مصر قبل عام 1900 وتزوج فى عام 1918 وأنجب ابنه الطاعن عام 1923، ولم يكن ثمة إثبات للعكس أو مغادرة من مصر، وبالتالى فإن الوضع الظاهر يظل كما هو حتى إثبات عكسه، وهو ما لم يتحقق على أى وجه من الوجوه.
ومن حيث إن الجنسية المصرية ـ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ هى رابطة قانونية وسياسية بين المواطن والدولة يتعهد بمقتضاها الفرد بالولاء وتتعهد الدولة بالحماية، وأن المركز القانونى لطالب الجنسية يستمد من أحكام الدستور والقانون مباشرة دون أن يكون لأحد
أو لسلطة تقدير إسباغ صفة المصرية على شخص أو حرمانه من هذه الصفة على خلاف حكم القانون وما حتمه فى هذا الشأن.
ومن حيث إنه بغض النظر عن صحة ما إذا كان الطاعن من مواليد الصالحية بالشرقية سنة 1923 كما يقول الطاعن، أو من مواليد صرافند بفلسطين سنة 1927 كما تقول جهة الإدارة، فإن المقطوع به فى الحالتين أن الطاعن كان قاصراً ولم يبلغ سن الرشد فى تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية فى 10مارس سنة 1929 وهو القانون الواجب التطبيق على حالته، ومن ثَمَّ فإن جنسية الطاعن إنما تتحدد تبعاً لجنسية والده فى ضوء أحكام المرسوم المذكور.
ومن حيث إن المادة (1) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 سالف الذكر تنص على أن “يعتبر داخلاً فى الجنسية المصرية بحكم القانون، أولاً: أعضاء الأسرة المالكة. ثانياً:كل من يعتبر فى تاريخ نشر هذا القانون مصرياً بحكم المادة الأولى من الأمر العالى الصادر فى
29 يونيو سنة 1900، ثالثاً: من عدا هؤلاء من الرعايا العثمانيين الذين كانوا يقيمون عادة فى القطر المصرى فى 5 نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون ” كما تنص المادة (5) من ذات المرسوم على أن “دخول الجنسية المصرية بمقتضى الأحكام السابقة يشمل الزوجة والأولاد القصر بحكم القانون”، وقد نُشر هذا المرسوم فى
10 مارس سنة 1929.
وتنص المادة الأولى من الأمر العالى الصادر فى 29 يونيو سنة 1900 على أنه “عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر فى أول مايو سنة 1883 يعتبر حتماً من المصريين الأشخاص الآتى بيانهم، أولاً: المتوطنون فى القطر المصرى قبل أول يناير سنة 1848 (سنة 1264 هجرية) وكانوا محافظين على محل إقامتهم فيه، ثانياً: رعايا الدولة العلية المولودون فى القطر المصرى من أبوين مقيمين فيه متى حافظ الرعايا المذكورون على محل إقامتهم فيه، ثالثاً: رعايا الدولة العلية المولودون والمقيمون فى القطر المصرى الذين يقبلون المعاملة بموجب قانون القرعة العسكرية المصرى سواء بأدائهم الخدمة العسكرية أو بدفع البدلية، رابعاً: الأطفال المولودون فى القطر المصرى من أبوين مجهولين، ويستثنى من الأحكام المذكورة الذين يكونون من رعايا إحدى الدول الأجنبية أو تحت حمايتها”.
ومن حيث إنه يبين من هذه النصوص أن المشرع فى المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية المعمول به فى 10 مارس سنة 1929 ـ وهو أول قانون ينظم أسس الجنسية المصرية بعد انفصال مصر عن تركيا اعتباراً من 5 نوفمبر سنة 1914 بموجب معاهدة لوزان المعقودة فى 14 يوليو سنة 1923 ـ قد حدد فى المادة الأولى منه المصريين فى تطبيق أحكامه، وقصرهم على ثلاث طوائف من بينها ما نص عليه البند (ثانياً) من هذا المرسوم والذى أحال فى تحديد المصريين إلى الأمر العالى الصادر فى 29 يونيو سنة 1900، فأصبح هذا الأمر بمقتضى هذه الحالة جزءاً من قانون الجنسية من الناحية التشريعية، وطبقاً للفقرتين “أولاً” “وثانيا” من الأمر العالى المشار إليه يعتبر من المصريين حتماً المتوطنون فى القطر المصرى قبل أول يناير سنة 1848 ورعايا الدولة العلية المولودون فى القطر المصرى من أبوين مقيمين فيه وذلك متى حافظوا على محل إقامتهم فيه، وبمقارنة البندين “ثانياً” و”ثالثاً” من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 يبين أن الأشخاص المذكورين فى البند “ثانياً” هم عثمانيون فى الأصل ولكنهم استوفوا شروطاً وأوصافاَ معينة جعلتهم فى نظر المشرع مصريين صميمين، وقد كان بوسع المشرع أن يقصر الجنسية المصرية عليهم ولكنه بسط بموجب البند “ثالثاً” هذه الجنسية على طائفة أخرى من العثمانيين لم يتطلب منهم سوى الإقامة فى القطر المصرى والمحافظة عليها خلال الفترة التى حددها، مع أن الأصل أن الإقامة وحدها لا تكفى عادة لاكتساب الجنسية، ولذا فإن منحهم الجنسية المصرية مرهون بتحقق شرط الإقامة خلال المدة من 5 نوفمبر 1914 حتى 10 مارس 1929.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أو والد الطاعن قد ولد بمصر بتاريخ 22/12/1896، وبالتالى لا يعد من المتوطنين فى البلاد قبل أول يناير سنة 1848 المخاطبين بحكم الفقرة “أولاً” من المادة الأولى من الأمر العالى الصادر فى يونيو سنة 1900، كما لا يعد من المخاطبين بحكم الفقرة “ثانياً” من تلك المادة وذلك لخلو الأوراق مما يفيد أنه (أى والد الطاعن) قد ولد لأبوين مقيمين فى القطر المصرى عند ولادته، الأمر الذى يعنى أن والد الطاعن لا ينطبق عليه حكم البند “ثانياً” من المادة (1) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929، ومن ثَمَّ فإنه يتعين بحث جنسية والد الطاعن فى ضوء البند “ثالثاً” من المرسوم المذكور والذى يشترط لإعماله التمتع بالرعوية العثمانية وثبوت الإقامة بالبلاد فى المدة من 5 يونيو سنة 1914 حتى 10 مارس سنة 1929.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على المستندات المقدمة من الطاعن للتدليل على إقامة والده بالبلاد خلال المدة المشار إليها، أنها قد ضمت أصل شهادة قيد ميلاد صادرة من دار المحفوظات فى 28/7/1997 تفيد أن والد الطاعن من مواليد محافظة الفيوم بتاريخ 22/12/1896، وأصل وثيقة عقد زواج والد الطاعن من والدته/ وضحه السيد عكر فى 17/6/1918 ثابت بها أنهما من أهالى وسكان الشيخ زويد بمحافظة سيناء، وشهادة قيد ميلاد الطاعن ثابت بها أنه من مواليد الصالحية بمحافظة الشرقية فى 3/4/1923، وذلك بالإضافة إلى صورة معتمدة طبق الأصل لعقد بيع عرفى محرر بين والد الطاعن وآخرين بتاريخ 22/1/1914، وصورة معتمدة طبق الأصل لحكم صادر من محكمة العريش الجزئية بتاريخ 21/3/1914 ثابت منه أن جد الطاعن وأولاده بما فيهم والد الطاعن هم أحد جيران قطعة الأرض محل الدعوى، وصورة معتمدة طبق الأصل لعقد بيع عرفى مؤرخ 7/3/1923 وأصل عقد بيع عرفى مؤرخ 13/6/1927 وصورة معتمدة طبق الأصل لعقد بيع عرفى مؤرخ أول أغسطس 1928 وصورة عقد بيع عرفى مؤرخ 28/3/1929 وغير ذلك من العقود العرفية الأخرى الثابت بها أن والد الطاعن أحد الشهود على العقد.
ومن حيث إن الوقائع المشار إليها تقيم فى جملتها قرينة على أن والد الطاعن كان مقيماً بالبلاد خلال الفترة التى تطلبها القانون للدخول فى الجنسية المصرية وهى الفترة من 5 نوفمبر 1914 حتى 10 مارس 1929، وهذه القرينة لا يسوغ إهدارها إلا إذا قام الدليل على نفيها سيما وأن الطاعن قدم العديد من أصول المستندات التى تدعمها التى لم تعقب عليها جهة الإدارة، ومن ثَمَّ وإذ خلت الأوراق من دليل ينقض القرينة، وأن جهة الإدارة لم تنكر على والد الطاعن تمتعه بالرعوية العثمانية، فإنه يكون والحالة هذه قد استوفى شروط دخوله فى الجنسية المصرية بحكم القانون طبقاً للبند “ثالثا” من المادة (1) من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929، الأمر الذى يترتب عليه دخول الطاعن فى هذه الجنسية بالتبعية لوالده عملاً بحكم المادة (5) من المرسوم المذكور.
ومن حيث إنه لا ينال من ذلك ما تذرعت به جهة الإدارة من أن الطاعن فلسطينى الجنسية أو قطرى الجنسية، ذلك أنه فضلاً عن أن الطاعن ينازع جهة الإدارة فى صحة هذا الادعاء بناء على ما قدمه من مستندات، فإن حصوله على مثل هذه الجنسية لا يؤثر فى مركزه القانونى بحرمانه من الجنسية المصرية الأصلية عند تحقق إحدى حالاتها فى شأنه على النحو المتقدم، بحسبان أن المشرع فى قانون الجنسية لم يحظر على المصريين ـ كأصل عام ـ الحصول على جنسية أجنبية إلى جانب جنسيتهم المصرية، ولم يرتب على مجرد الحصول على الجنسية الأجنبية سقوط الجنسية المصرية إلا إذا قرر مجلس الوزراء ذلك عملاً بأحكام المادتين 10، 16 من القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية.
كذلك لا ينال مما سبق أن تكون المستندات المقدمة من الطاعن عرفية، ذلك أن الأمر إنما يتعلق بواقعة مادية هى واقعة الإقامة التى لم يستلزم المشرع لإثباتها طريقاً خاصاً أو وسيلة بعينها، إلى جانب أن إثبات الإقامة فى مثل هذه الحالة تكتنفه صعوبات وملابسات خاصة مردها إلى قدم عهد مدة الإقامة وعدم تحسب ذوى الشأن لها، مما يقتضى النظر إلى أدلة إثباتها بقدر من المرونة والعدالة حتى لا يفضى الأمر إلى التكليف بما هو أشبه بالمستحيل فيما هو يخص كيان الشخص ومصيره، وذلك باعتبار المستندات المقدمة لإثباتها ـ ولو كانت عرفية ـ منشئة لقرينة لصالح ذوى الشأن لا يسوغ لجهة الإدارة إغفالها إلا إذا ثبت لديها فسادها
أو وجد من المستندات ما يناقضها، وهو ما لم يتحقق فى الحالة الماثلة حيث قدم الطاعن العديد من المستندات الرسمية والعرفية التى حفل بها الطاعن لإثبات إقامة والده بالبلاد، ولم تقدم جهة الإدارة من جانبها ما يفيد القناعة بعدم صحة هذه المستندات.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب غير هذا المذهب، إذ قضى برفض الدعوى دون فحص أو تمحيص كافٍ لمستندات الطاعن ودون الوقوف على الأسانيد القانونية والواقعية السليمة المؤيدة لدعواه على النحو السالف بيانه، فإنه بذلك يكون قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال، الأمر الذى يتعين معه الحكم بإلغائه والقضاء مجدداً بثبوت الجنسية المصرية للطاعن.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجدداً بثبوت الجنسية المصرية للطاعن مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات عن درجتى التقاضى.