جلسة 27 من أغسطس سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / د. عبدالرحمن عثمان أحمد عزوز.
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين / على فكرى حسن صالح، ويحيى خضرى نوبى محمد، ود. محمد ماجد محمود أحمد، وأحمد عبدالحميد حسن عبود.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه تناغو.
مفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس.
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 6352 لسنة 46 قضائية عليا
ـ دعوى الإلغاء ـ طلب وقف التنفيذ ـ ركناه (الجدية والاستعجال).
ولاية محاكم مجلس الدولة فى وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من ولايتها فى الإلغاء وفرع منها ومردها الرقابة القانونية التى يسلطها القضاء الإداري على القرار، على أساس وزنه بميزان القانون وزنًا مناطه مبدأ المشروعية ـ يتعين على القضاء الإداري ألا يوقف قراراً إدارياً إلا إذا تبين له بحسب الظاهر من الأوراق ودون المساس بأصل الحق أن طلب وقف التنفيذ قد توافر فيه ركنان: الأول ركن الجدية ويتمثل فى قيام الطعن على القرار ـ بحسب الظاهر من الأوراق ـ على أسباب جدية من حيث الواقع والقانون تحمل على ترجيح الحكم بإلغائه عند نظر الموضوع، والثانى: ركن الاستعجال بأن يكون من شأن استمرار تنفيذ القرار إحداث نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى بإلغائه ـ تطبيق.
ـ الإقامة المؤقتة ـ سلطة الإدارة في إبعاد غير المرغوب فيهم ـ حدود رقابة القضاء على قرار الإبعاد.
المواد (1)، (2)، (25)، (31) من أحكام القرار بقانون رقم 89 لسنة 1960 بشأن دخول وإقامة الأجانب بأراضى الجمهورية العربية المتحدة والخروج منها.
الترخيص الصادر من الدولة بالإقامة المؤقتة للأجنبي على أرضها لا ينشئ إلا صلة وقتية عابرة بإقليم الدولة لا تقوم إلا على مجرد التسامح الودى متمتعة فى هذا الشأن بسلطة تقديرية واسعة نزولاً على مقتضيات سيادتها على إقليمها وحقها فى اتخاذ ما تراه لازماً من الوسائل للمحافظة على كيانها ومصالح رعاياها حسبما يتراءى لها أنه محقق للمصلحة العامة ـ مشروعية إقامة الأجنبي منوطة بمدى احترامه للشروط التى منحت الإقامة من أجلها وعدم الخروج عن الغرض فى منحه هذه الإقامة واحترام قوانين البلاد ـ مؤدى ذلك ـ للدولة الحق فى إبعاد من ترى إبعاده من الأجانب غير المرغوب فى بقائهم على إقليمها وذلك إذا ما اقترفوا ما من شأنه أن يخل بسلامة أمن الدولة فى الداخل أو الخارج أو بنظامها العام
أو الآداب العامة فيها، أو ما يهدد الصحة العامة أو السكينة العامة ويلحق ضرراً باقتصادها
أو بمصالح البلاد العليا بما يجعل وجودهم على إقليم الدولة أمراً غير مرغوب فيه ـ لا يشترط أن يكون النشاط الضار للأجنبى مكوناً لجريمة أو أن يصدر حكم جنائى بإدانته فى جريمة نسبت إليه حتى يمكن إبعاده وإنما يكفى أن يمارس نشاطاً ترى فيه الدولة أنه يشكل تهديداً لكيانها وسلامتها أو عدم التزام بقوانينها ولوائحها ـ للدولة الحق فى تقدير ما يعتبر ضاراً بشئونها الداخلية والخارجية ومالا يعتبر كذلك ولها حق اتخاذ الإجراءات المناسبة لكل مقام فى حدود الواجبات الإنسانية وما تُعُورِفَ عليه دولياً احتراماً لقواعد القانون الدولى التى توجب عدم إساءة استعمال السلطة فى معاملة الأجانب ـ ولها سلطة تقديرية لمبررات الإبعاد لا يحد منها أو يقيدها إلا أن يصدر قرارها بالإبعاد دون أن يكون مشوباً بالتعسف فى استعمال السلطة أو الانحراف بها ـ قرار الإبعاد يجب أن يكون قائماً على أسباب جدية تقتضيها المصلحة العامة فى حدود القانون حماية لسلامة البلاد وحماية أفراد شعبها ومجتمعها من كل ما يضره أو يشينه ـ ليس للقضاء الإدارى ـ فى حدود رقابته القانونية لمشروعية قرار الإبعاد للوقوف على ما إذا كان قرار الإبعاد قد صدر من المختص قانوناً بإصداره وبالطريق الذى رسمه القانون وقائماً على أسباب صحيحة ثابتة فى الأوراق تؤدى إليه وتبرره واقعاً وقانوناً دون أن تشوبه شائبة من إساءة استعمال السلطة ـ أن يخرج عن حدود هذه الرقابة وأن يتطرق إلى بحث ملاءمة الإبعاد والذى كشفت جهة الإدارة عن سببه أو أن يتدخل فى تقدير خطورة هذا السبب ومدى ما يمكن ترتيبه عليه من آثار ـ لوزارة الداخلية حرية تقدير أهمية الحالة والخطورة الناجمة عنها والأثر الذى يناسبها ولا هيمنة للقضاء الإدارى على ما تكون منه عقيدتها واقتناعها فى شىء من هذا ـ تطبيق.
فى يوم السبت الموافق 13/5/2000 أودع الأستاذ/ السيد عبدالتواب عبدالرحمن المحامى نائباً عن الأستاذ/ قمر محمد موسى المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 6352 لسنة 46ق.عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى “الدائرة الأولى” فى الدعوى رقم 10265 لسنة 53 ق بجلسة 14/3/2000م والقاضى منطوقه (بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف التنفيذ وألزمت المدعى مصروفات هذا الطلب وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها وتقديم تقرير بالرأى القانونى فى موضوعها.
وطلب الطاعن ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ الحكم/ بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفى موضوع الطعن القضاء بإلغاء القرار الطعين وما ترتب عليه من آثار مع تنفيذ الحكم بمسودته الأصلية ودون حاجة إلى إعلان وإلزام المطعون ضدهما بصفتيهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما على النحو الثابت بالأوراق.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 15/10/2001 وبجلسة 4/2/2002 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى ـ موضوع) وحددت لنظره أمامها جلسة 16/3/2002 وبعد تداوله بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها وبجلسة 20/4/2002م قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 27/8/2002 مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء فى شهر: وبتاريخ 30/4/2002 أودع محامى الدولة مذكرة بدفاع جهة الإدارة اختتمت بطلب الحكم / برفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصاريف.
وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعات تخلص ـ حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ـ فى أنه بموجب عريضة مودعة قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بتاريخ 22/8/1999 أقام الطاعن الدعوى رقم 10265 لسنة 53ق. بطلب الحكم / بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر من المطعون ضدهما بصفتيهما بمنع دخوله إلى جمهورية مصر العربية واعتباره كأن لم يكن وإلزام المطعون ضدهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة على سند من القول إنه مواطن عربى من رعايا المملكة العربية السعودية الشقيقة وإنه إبان وجوده بمصر عام 1988 تشاجر مع عسكرى من جنود الأمن المركزى فى حى الزيتون ـ أوقف على أثرها بمعرفة سلطات الأمن وتم ترحيله إلى بلده وعندما رغب فى القدوم إلى مصر تقدم بطلب للحصول على تأشيرة دخول من القنصلية المصرية بجدة إلا أن المختصين بالسفارة أبلغوه أنه صدر قرار من المطعون ضده الأول بمنعه من دخول البلاد منذ ذلك التاريخ ومن ثَمَّ رفض طلبه الحصول على التأشيرة، ناعياً على هذا القرار بأنه قد صدر معيباً لعدم إعلانه به فى المواعيد المقررة، فضلاً عن اتسامه بعيب التعسف فى استعمال السلطة بالإضافة إلى ما يسببه هذا القرار من أضرار لمصالحه.
وبجلسة 14/3/2000 أصدرت محكمة القضاء الإدارى “الدائرة الأولى” الحكم المطعون فيه، وشيَّدت المحكمة قضاءها فى الشق العاجل من الدعوى على أنه طبقاً لحكم المادة 49 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 يشترط لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه توافر ركنى الجدية والاستعجال.
وبالنسبة لركن الجدية قالت المحكمة ـ بعد استعراض نصوص المواد 1، 2، 25، 31، 34 من القرار بقانون رقم 89 لسنة 1960 فى شأن دخول وإقامة الأجانب بأراضي الجمهورية العربية المتحدة والخروج منها ـ إن البادى من ظاهر الأوراق أن المدعى كان قد تم إبعاده ـ وآخر فلسطينى ـ عن البلاد عام 1987 لقيامه بالتعدى بالضرب على الجندى المعين فى خدمة المرور بمنطقة الزيتون عقب قيام الفلسطينى بتجاوز إشارة المرور بالسيارة قيادته وتحرر عن الواقعة المحضر رقم 5245 لسنة 1987 جنح الزيتون ـ 155 جنح مرور ـ وبعرضهما على النيابة العامة قررت إخلاء سبيلهما بضمان مالى مقداره 50 جنيهاً وتم ترحيلهما وإدراجهما على قوائم الممنوعين من الدخول وعلى ذلك يكون السبب الذى قام عليه القرار المطعون فيه بمنع المدعى من دخول البلاد هو ارتكابه أفعالاً مخلة بالأمن والنظام العام وعدم احترامه للقوانين واللوائح النافذة التى تنظم المرور فى البلاد وتطاوله بالتعدى بالضرب على أحد رجال الأمن مما يدل على اعوجاج فى سلوكه واستهانة بالنظام الأمنى المصرى والقائمين عليه وتجرده من الالتزام بجادة المسلك فى البلد المضيف ومن ثَمَّ يكون قرار منع دخوله البلاد قد بنى على أسباب جدية مستمدة من أصول تنتجها ومن ثم يعدو قراراً سليماً مستنداً إلى صحيح حكم القانون غير مرجح الإلغاء عند نظر موضوع الدعوى، الأمر الذى ينتفى معه ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذه مما يتعين معه القضاء برفضه دون حاجة لبحث ركن الاستعجال لعدم جدواه.
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى الطاعن فقد أقام طعنه الماثل ناعياً على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه ومخالفة الثابت بالأوراق، كما أنه شابه القصور فى التسبيب لأسباب حاصلها أن القرار الطعين قد صدر فى عام 1988 وانقضى على صدوره أكثر من اثنى عشر عاماً انقضت معها الواقعة الجنائية محل المنع حيث إن واقعة المشاجرة من مواد الجنح فقد انقضت بالتقادم، مع كل ما ترتب عليها من آثار رغم عدم صدور حكم جنائى ضده ولم يعلن بشىء من ذلك ابتداء، كما أن القرار الطعين قد صدر معيباً لعدم إعلانه فى المواعيد المقررة، فضلاً عن اتسامه بعيب التعسف فى استعمال السلطة لأنه عربى مسلم من دولة تربطها بمصر علاقات وثيقة واتفاقيات ومواثيق وكذلك روابط الدين والعقيدة التى لا تحظر من النفى إلا لأسباب حددها الشرع الحنيف على سبيل الحصر.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن ولاية محاكم مجلس الدولة فى وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من ولايتها فى الإلغاء وفرع منها، ومردها الرقابة القانونية التى يسلطها القضاء الإدارى على القرار، على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية، إذ يتعين على القضاء الإدارى ألا يوقف قراراً إدارياً، إلا إذا تبين له بحسب الظاهر من الأوراق ودون مساس بأصل الحق، أن طلب وقف التنفيذ قد توافر فيه ركنان:
الأول: ركن الجدية، ويتمثل فى قيام الطعن على القرار، بحسب الظاهر من الأوراق، على أسباب جدية من حيث الواقع والقانون تحمل على ترجيح الحكم بإلغائه عند نظر الموضوع. والثانى: ركن الاستعجال بأن يكون من شأن استمرار تنفيذ القرار إحداث نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى بإلغائه.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإنه باستعراض أحكام القرار بقانون رقم 89 لسنة 1960 فى شأن دخول وإقامة الأجانب بأراضى الجمهورية العربية المتحدة والخروج منها يبين أن المادة الأولى منه نصت على أنه “يعتبر أجنبياً، فى حكم القانون كل من لا يتمتع بجنسية الجمهورية العربية المتحدة) كما نصت المادة الثانية من ذات القانون على أنه (لا يجوز دخول أراضى الجمهورية العربية المتحدة أو الخروج منها إلا لمن يحصل على جواز سفر سارى المفعول صادر من سلطات بلده المختصة أو أية سلطة أخرى معترف بها أو وزارة الداخلية أو لمن يحمل وثيقة تقوم مقام الجواز وتكون صادرة من إحدى السلطات المذكورة، ويشترط فيها أن تخوِّل حاملها العودة إلى البلد الصادرة من سلطاته….”.
ونصت المادة 25 من القانون سالف الذكر على أنه : لوزير الداخلية بقرار منه إبعاد الأجانب” ونصت المادة 31 من القانون آنف الذكر على أنه : (لا يسمح للأجنبي الذى سبق إبعاده بالعودة إلى أراضى الجمهورية العربية المتحدة إلا بإذن من وزير الداخلية).
ومن حيث إنه من المقرر أن الترخيص الصادر من الدولة بالإقامة المؤقتة للأجنبى على أرضها لا ينشئ إلا صلة وقتية عابرة بإقليم الدولة، لا تقوم إلا على مجرد التسامح الودى متمتعة فى هذا الشأن بسلطة تقديرية واسعة، نزولاً على مقتضيات سيادتها على إقليمها، وحقها فى اتخاذ ما تراه لازماً من الوسائل للمحافظة على كيانها ومصالح رعاياها حسبما يتراءى لها أنه محقق للمصلحة العامة ومن ثَمَّ فإن مشروعية إقامة الأجنبى منوطة بمدى احترامه للشروط التى منحت الإقامة من أجلها، وعدم الخروج عن الغرض من منحه هذه الإقامة واحترام قوانين البلاد، وعلى ذلك ـ طبقًا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة ـ فإنه من المبادئ المقررة أن للدولة حق ـ إبعاد من ترى إبعاده من الأجانب غير المرغوب فى بقائهم على إقليمها وذلك إذا ما اقترفوا ما من شأنه أن يخل بسلامة أمن الدولة فى الداخل أو الخارج أو بنظامها العام أو الآداب العامة فيها أو ما يهدد الصحة العامة أو السكينة العامة أو يلحق ضرراً باقتصادها أو بمصالح البلاد العليا، وبصفة عامة إذا كان وجودهم ـ لأى سبب من الأسباب ـ يشكل خطراً ما فى أى منحى من مناحى الحياة بما يجعل وجودهم على إقليم الدولة أمراً غير مرغوب فيه إلا أنه لا يشترط أن يكون النشاط الضار للأجنبى مكوناً لجريمة أو أن يصدر حكم جنائى بإدانته فى جريمة نسبت إليه حتى يمكن إبعاده وإنما يكفى أن يمارس نشاطاً ترى فيه الدولة أنه يشكل تهديداً لكيانها وسلامتها أو عدم التزام بقوانينها ولوائحها كما أن للدولة الحق فى تقدير ما يعتبر ضاراً بشئونها الداخلية والخارجية، وما لا يعتبر كذلك ولها حق اتخاذ الإجراءات المناسبة لكل مقام فى حدود الواجبات الإنسانية وما تعارف عليه دولياً احترامًا لقواعد القانون الدولى التى توجب عدم إساءة استعمال السلطة فى معاملة الأجانب ولها سلطة تقديرية لمبررات الإبعاد لا يحد منها أو يقيدها إلا أن يصدر قرارها بالإبعاد مشوباً بالتعسف فى استعمال السلطة أو الانحراف بها، وهى فى ذلك تخضع لرقابة القضاء الإدارى شأنها شأن كافة ما يصدر عنها من قرارات مبنية على سلطة تقديرية بحيث يجب أن يكون الإبعاد قائماً على أسباب جدية تقتضيها المصلحة العامة فى حدود القانون حماية لسلامة البلاد وحماية أفراد شعبها ومجتمعها من كل ما يضره أو يشينه، إلاَّ أنه ليس للقضاء الإدارى، فى حدود رقابته القانونية لمشروعية قرار الإبعاد ـ للوقوف على ما إذا كان قرار الإبعاد قد صدر من المختص قانوناً بإصداره وبالطريق الذى رسمه القانون وقائماً على أسباب صحيحة ثابتة فى الأوراق، تؤدى إليه وتبرره واقعاً وقانوناً دون أن تشوبه شائبة من إساءة استعمال السلطة ـ أن يخرج عن حدود هذه الرقابة وأن يتطرق إلى بحث ملاءمة الإبعاد الذى كشفت جهة الإدارة عن سببه، أو أن يتدخل فى تقدير خطورة هذا السبب ومدى ما يمكن ترتيبه عليه من آثار بإحلال نفسه محل وزارة الداخلية فيما هو متروك لتقديرها ووزنها، بل إن لوزارة الداخلية حرية تقدير أهمية الحالة والخطورة الناجمة عنها والأثر الذى يناسبها،
ولا هيمنة للقضاء الإدارى على ما تكون منه عقيدتها واقتناعها فى شىء من هذا.
ومن حيث إنه بتطبيق ما تقدم على واقعة النزاع، فإنه لما كان الثابت من ظاهر الأوراق ومن كتاب جهة الأمن المختصة المرفق بحافظة مستندات هيئة قضايا الدولة المودعة أمام محكمة أول درجة بجلسة 1/2/2000 ـ أن الطاعن ـ وهو سعودى الجنسية وآخر فلسطينى الجنسية ـ خلال عام 1987 قاما بالتعدى بالضرب على الجندى المعين بخدمة المرور بمنطقة الزيتون وذلك عقب قيام الفلسطينى المذكور بكسر إشارة المرور بالسيارة قيادته ـ وتحرر عن الواقعة المحضر رقم 5245 سنة 1987 / جنح الزيتون ـ 155 جنح مرور ـ وبعرضهما على النيابة العامة قررت إخلاء سبيلهما بضمان مالى قدره 50 جنيهًا لكل منهما ـ وقامت وزارة الداخلية بترحيلهما خارج البلاد وإدراج اسميهما على قوائم منع الدخول.
ومن حيث إن البادى من الأوراق أن القرار المطعون فيه قد صدر من وزير الداخلية المختص بإصداره بما له من سلطة تقديرية دون أن يقوم دليل من الأوراق على قيام تعسف فى استعمال السلطة أو الانحراف بها عند إصداره وقد صدر قائماً على سببه فى ضوء ما نسب إلى الطاعن من قيامه بالتعدى بالضرب على أحد رجال الأمن وهو يؤدى واجبه فى تنظيم إشارات المرور وتحرر محضر لذلك ـ وهو ما لم ينكره الطاعن ـ مما يدل على عدم اكتراثه بقانون المرور واستهانته بالنظام الأمنى للبلاد وعدم التزامه بقوانينها ومن ثَمَّ فإن قرار إبعاده ومنع دخوله البلاد يكون ـ بحسب الظاهر ـ قائماً على سند صحيح من الواقع والقانون، وإذ تبنى الحكم المطعون فيها هذا النظر وقضى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإنه يكون قد صادف صحيح حكم القانون، وبالتالى فإن الطعن عليه يكون فى غير محله متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه لا وجه للاعتداد بما يقوله الطاعن من أن الجنحة المنسوبة إليه سقطت بمضى المدة ذلك أنه لا يشترط فى مجال مؤاخذة الأجنبى عن سلوكه الضار طبقاً لأحكام القرار بالقانون رقم 89 لسنة 1960 سالف الذكر أن يقترف الأجنبى جريمة أو يصدر حكم جنائى بإدانته عنها لكى تتحقق خطورته، لأن حق الدولة فى إبعاد الأجانب وعدم السماح لهم بالعودة يخرج عن نطاق هذه القيود الضيقة، وإنما يكفى لممارستها هذا الحق ـ أن يثبت فى تقديرها ـ أن الأجنبى يزاول نشاطاً ضاراً يمس كيانها ويهدد سلامتها أو يلحق ضرراً بأية مصلحة من مصالحها أو عدم التزامه بقوانينها طبقاً لما سلف بيانه ـ مما يجعل وجوده فى البلاد خطرًا عليها وعلى المواطنين وغير مرغوب فيه، ولما كان يبين مما تقدم أن الخطر من وجود الطاعن كان حقيقة واقعة، استدعت كل الإجراءات التى اتخذت ضده والتى انتهت بإصدار القرار المطعون فيه بإبعاده عن مصر ومنع دخوله إليها، ومن حيث إنه بالنسبة لما ينسبه الطاعن إلى القرار المطعون فيه من أنه قد صدر ولم يتم إعلانه به فى المواعيد المقررة قانوناً وأنه قد صدر بعيداً عن غرض تحقيق المصلحة العامة، مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة نظراً لوجود علاقات تجارية تربطه بمصر وتستدعى حضوره، فضلاً عن أن إطلاق حق وزير الداخلية فى تأييد عقوبة المنع يتصادم مع القانون والعرف وحسن العلاقات مع الأشقاء العرب، إذ إن منع مواطن عربى مسلم من دخول أرض عربية مثل مصر عقوبة لا يقبلها عقل ولا يؤيدها نقل أو شرع، فإنه لا وجه لكل ذلك حيث إن عدم إعلان “قرار الإدارة” إلى ذوى الشأن لا يعيبه، كما أن المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أن عيب إساءة استعمال السلطة
أو الانحراف بها من العيوب القصرية فى السلوك الإدارى، قوامها أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها وهذا العيب يجب أن يشوب الغاية من القرار بأن تكون جهة الإدارة قد تنكبت وجه المصلحة العامة التى يتغياها القرار أو أن تكون قد أصدرت القرار بباعث لا يمت لتلك المصلحة، وعلى هذا الأساس فإن عيب إساءة استعمال السلطة يجب إقامة الدليل عليه ولا يوجد فيما ساقه الطاعن من شواهد ما يقيم الدليل على أن جهة الإدارة قد تعسفت فى استعمال سلطتها وقصدت الانتقام منه أو يزيل الخطأ المنسوب إليه بقيامه بالتعدى على رجل المرور مما يجعل وجوده فى مصر أمراً غير مرغوب فيه على النحو الموضح سلفاً.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن المصروفات.