جلسة 28 من أغسطس سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / جودة عبدالمقصود فرحات.
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين / سامى أحمد محمد الصباغ، عبدالله عامر إبراهيم، ومصطفى محمد عبدالمعطى، وحسونة توفيق حسونة.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ حسين محمد صابر.
مفوض الدولة
وسكرتارية/ عصام سعد ياسين.
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 3944 لسنة 45 قضائية عليا
ـ حظر الدفن في غير الجبانات العامة المستعملة ـ إلغاء الجبانة.
المواد (1)، (2)، (5) من القانون رقم 5 لسنة 1966 بشأن الجبانات ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الصحة رقم 418 لسنة 1980.
الجبانة العامة هى كل مكان مخصص لدفن الموتى، وتتولى المجالس المحلية فى حدود اختصاصها إنشاء الجبانات وصيانتها وإلغاءها وتحديد رسم الانتفاع بها بالشروط الواردة فى اللائحة التنفيذية ـ تعد أراضى الجبانات من الأموال العامة وتحتفظ بهذه الصفة بعد إبطال الدفن فيها وذلك لمدة عشر سنوات أو إلى أن يتم نقل الرفات منها على حسب الأحوال ـ حظر المشرع إجراء الدفن فى غير الجبانات العامة المستعملة، ويحكم القاضى فى حالة المخالفة بإخراج الجثة وإعادة دفنها، وذلك فضلاً عن العقوبة المقررة بمقتضى القانون ـ يجوز إلغاء الجبانة وإبطال الدفن فيها فى حالتين هما حالة عدم وجود أماكن صالحة للدفن فيها لامتلائها بالرفات وعدم توفير الأراضي الصالحة لتوسيعها، وعدم ملاءمة موقعها من الناحية الصحية أو العمرانية أو لدواعى الأمن ـ للمنتفعين بها أو لورثتهم الأولوية فى الحصول على مساحات مناسبة فى الجبانات الجديدة التى يتقرر إنشاؤها ـ تطبيق.
فى يوم الإثنين الموافق 5/4/1999 أودع الأستاذ/ سعد عبدالواحد حماد، المحامى المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا قلم كتاب المحكمة تقريراً بالطعن ـ قيد بجدولها برقم 3944 لسنة 45 ق.ع ـ طعنًا على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية ـ الدائرة الأولى ـ فى الدعوى رقم 224 لسنة 48 ق، والقاضى فى منطوقه: بعدم قبول الدعوى، وإلزام المدعى المصروفات.
وطلب الطاعن ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ الحكم أولاً: بقبول الطعن شكلاً ،
ثانياً: وفى الموضوع الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بوقف تنفيذ القرار السلبى بالامتناع عن إصدار قرار إزالة التعديات على أرض الطاعن والحكم بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماه.
وقد جرى إعلان الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا بالرأى القانونى فى الطعن وارتأت فيه ـ لما قام عليه من أسباب ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن إبطال الدفن بالجبانات موضوع النزاع، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد أحيل الطعن إلى الدائرة السادسة فحص بالمحكمة الإدارية العليا فنظرته على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، حيث قدم الطاعن مذكرة بدفاعه تمسك فيها بطلباته فى الطعن، وبجلسة 16/4/2002 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 15/5/2002، فنظرته على النحو الثابت بمحضر الجلسة، وبجلسة 19/6/2002 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم، ومذكرات ومستندات لمن يشاء خلال أسبوعين، حيث لم يودع أى من الخصوم شيئاً خلال الأجل المحدد.
وقد تم النطق بالحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
وحيث أقيم الطعن خلال الميعاد القانونى المحدد، وقد استوفى الإجراءات الشكلية المطلوبة، من ثَمَّ يكون مقبولاً من حيث الشكل.
وحيث تتلخص وقائع النزاع ـ حسبما يبين من الأوراق ـ فى أن الطاعن سبق أن أقام الدعوى رقم 3224 لسنة 48ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، وطلب فى ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبى بالامتناع عن إصدار قرار بإزالة التعديات الواقعة على أرضه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة المصروفات.
وذكر المدعى، بيانًا لدعواه، أنه يمتلك قطعة أرض بتبة الخليل التابعة لمركز كفر الدوار بجوار قرية الأندلس مساحتها، 10س 7ط 1ف بموجب عقد بيع ابتدائي من شركة النهضة الزراعية بتاريخ 14/8/1990 لغرض الزراعة، إلا أن بعض الأهالي قاموا بالتعدى عليها ببناء عدة مقابر لدفن الموتى بدون تصريح من الجهات الصحية طبقاً للقانون رقم 5
لسنة 1966 بشأن الجبانات ولائحته التنفيذية، فقام بتوجيه إنذارات رسمية للمدعى عليهم لاتخاذ الإجراءات القانونية نحو إزالة هذه التعديات إلا أن الجهة الإدارية لم تحرك ساكنًا، الأمر الذى حدا به إلى إقامة دعواه الماثلة بطلباته سالفة الذكر.
وتدوول نظر الشق العاجل من الدعوى أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 4/4/1996 قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأى القانونى فيها، وأعدت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبإلغاء قرار الإدارة السلبى بالامتناع عن إزالة هياكل الجبانات التى أقيمت على أرض المدعى المشار إليها وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الإدارة المصروفات.
وبجلسة 22/2/1999 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بعدم قبول الدعوى.
وقد أقامت المحكمة قضاءها على أنه قد استبان أن التعدى الواقع من الأهالى على أرض المدعى بإقامة عدد من الجبانات لا يتعلق بأرض مخصصة لإقامة الجبانات وأن الجهة الإدارية لم ترخص بإقامة جبانات على هذه الأرض بما يعنى أن الأرض المقامة عليها بالجبانات لا تأخذ حكم الجبانات ولا تعد من أملاك الدولة وإنما هى أرض مملوكة ملكية خاصة للمدعى
ولا يعدو أن يكون التعدى عليها مجرد تعدٍ على أملاك خاصة ولا شأن للجهة الإدارية به بحسبان أنه نزاع مدنى وبالتالى لا يكون هناك إلزام على جهة الإدارة بإصدار قرار بإزالة هذا التعدى، ومن ثَمَّ فإن امتناعها لا يشكل قراراً إدارياً سلبياً مما يقبل الطعن عليه بالإلغاء، ولذا انتهت المحكمة إلى قضائها المطعون فيه.
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الطاعن، فقد أقام الطعن الماثل استناداً إلى ما يلى:
أولاً: بطلان الحكم المطعون فيه للخطأ فى تطبيق القانون إذ أغفل الحكم تطبيق نصوص المادتان 2، 5 من القانون رقم 5 لسنة 1966 فى شأن الجبانات، والمادة رقم 10 من اللائحة التنفيذية للقانون المشار إليه، حيث إن إزالة الجبانات المخالفة من سلطة الإدارة، والثابت من أوراق مستندات الدعوى أن المقابر الجديدة أقيمت على أرض المدعى وبدون ترخيص بذلك من الجهة الإدارية المختصة المنصوص عليها فى القانون رقم 5 لسنة 1966 بشأن الجبانات مما يتعين معه على الجهة الإدارية أن تتدخل بسلطتها حفاظاً على الصحة والأمن العام لإزالة هذا التعدى بالطريق الإدارى، وإذ تقاعست جهة الإدارة عن اتخاذ قرار إزالة هذا التعدى إدارياً كان تصرفها بمثابة القرار السلبى بالامتناع مخالفاً للقانون ويتعين إلغاؤه.
ثانياً: بطلان الحكم المطعون فيه للقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال، ذلك أن الحكم المطعون فيه لم يرد على مستندات المدعى المقدمة بأوراق الدعوى رغم أنها جوهرية، ولذا يطلب الطاعن الحكم بالطلبات سالفة الذكر.
وحيث تنص المادة رقم 1 من القانون رقم 5 لسنة 1966 بشأن الجبانات على أن “تعتبر جبانة عامة كل مكان مخصص لدفن الموتى، قائم فعلاً وقت العمل بهذا القانون، وكذلك كل مكان يخصص لهذا الغرض بقرار من السلطة، وتعد أراضى الجبانات من الأموال العامة وتحتفظ بهذه الصفة بعد إبطال الدفن فيها وذلك لمدة عشر سنوات أو إلى أن يتم نقل الرفات منها على حسب الأحوال”.
وتنص المادة رقم (2) من هذا القانون على أن “تتولى المجالس المحلية فى حدود اختصاصها إنشاء الجبانات وصيانتها وإلغاءها وتحديد رسم الانتفاع بها بما لا يجاوز 500 خمسمائة مليم للمتر وذلك طبقاً للشروط والأوضاع التى تحددها اللائحة التنفيذية”.
وتنص المادة رقم (5) من ذات القانون على أنه “لا يجوز إجراء الدفن فى غير الجبانات العامة المستعملة، ويحكم القاضى فى حالة المخالفة بإخراج الجثة وإعادة دفنها، وذلك فضلاً عن العقوبة المقررة بمقتضى هذا القانون”.
وتنص المادة رقم 1 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون والصادرة بقرار وزير الصحة رقم 418 لسنة 1980 على أن ” تتولى المجالس المحلية كل فى حدود اختصاصه حصر جميع الجبانات العامة والمدافن الخاصة وقيدها فى سجلات خاصة مرقمة الصحائف ومختومة بخاتم المجلس المحلى المختص وتتضمن البيانات الآتية:……………………………….”.
وتنص المادة رقم 10 من ذات اللائحة على أنه ” يجوز إلغاء الجبانة وإبطال الدفن فيها فى الأحوال الآتية:
1ـ عدم وجود أماكن صالحة للدفن فيها لامتلائها بالرفات وعدم توفير الأراضى الصالحة لتوسيعها.
2 ـ عدم ملاءمة موقعها من الناحية الصحية أو العمرانية أو لدواعى الأمن العام، وفى جميع الأحوال يصدر بإلغاء وإبطال الدفن قرار من المحافظ بعد موافقة المجلس المحلى المختص، ويُنشر هذا القرار فى الوقائع المصرية ويُعلَن عنه فى مقر المجلس المحلى وفى موقع الجبانة، ويكون للمنتفعين الموضحة أسماؤهم بالسجلات المشار إليها فى
المادة 1 أو لورثتهم أولوية الحصول على مساحات مناسبة فى الجبانات الجديدة التى يتقرر إنشاؤها”.
وحيث إن البيِّن مما تقدم أن الجبانة العامة هى كل مكان مخصص لدفن الموتى، وتتولى المجالس المحلية فى حدود اختصاصها إنشاء الجبانات وصيانتها وإلغاءها وتحديد رسم الانتفاع بها بالشروط الواردة فى اللائحة التنفيذية، وتعد أراضى الجبانات من الأموال العامة وتحتفظ بهذه الصفة بعد إبطال الدفن فيها وذلك لمدة عشر سنوات أو إلى أن يتم نقل الرفات منها على حسب الأحوال.
وقد حظر المشرع إجراء الدفن فى غير الجبانات العامة المستعملة، ويحكم القاضى فى حالة المخالفة بإخراج الجثة وإعادة دفنها، وذلك فضلاً عن العقوبة المقررة بمقتضى القانون.
وقد أجازت اللائحة التنفيذية للقانون إلغاء الجبانة وإبطال الدفن فيها فى حالتين، هما: حالة عدم وجود أماكن صالحة للدفن فيها لامتلائها بالرفات وعدم توفير الأراضى الصالحة لتوسيعها، وعدم ملاءمة موقعها من الناحية الصحية أو العمرانية أو لدواعى الأمن، ويكون للمنتفعين بها أو لورثتهم الأولوية فى الحصول على مساحات مناسبة فى الجبانات الجديدة التى يتقرر إنشاؤها.
وحيث إنه بإنزال ما تقدم على وقائع النزاع الماثل، ولما كان الثابت بالأوراق أن الطاعن اشترى قطعة الأرض محل النزاع من شركة النهضة الزراعية بموجب عقد بيع ابتدائى، وذلك لغرض الزراعة وقد تم التعدى عليها بمعرفة الأهالى، حيث أقاموا سبعة هياكل جبانات على نحو ما هو ثابت من المعاينة التى تضمنها المحضر الإدارى رقم 2138 لسنة 1991 (حافظة مستندات الطاعن المقدمة أمام محكمة القضاء الإدارى بجلسة 13/7/1995).
وحيث لم يثبت من الأوراق أن هذه الجبانات قد أقيمت بترخيص جهة الإدارة، فمن ثَمَّ يكون الدفن فيها مخالفاً للقانون ويخضع لأحكام المادة “5” من قانون الجبانات السابق الإشارة إليه، حيث يحكم القاضى فى حالة المخالفة بإخراج الجثة وإعادة دفنها، فضلاً عن العقوبة المقررة، ومن ثَمَّ لا تختص جهة الإدارة بإصدار قرار إدارى بإبطال الدفن فى هذه الحالة،
أو الأمر بإخراج الجثث المدفونة إذ إن ذلك من اختصاص القاضى المختص.
وحيث إن الطاعن يطلب الحكم بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن إصدار قرار بإزالة التعديات المشار إليها الواقعة على أرضه.
وحيث إن القرار السلبى هو امتناع جهة الإدارة عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه طبقاً للقوانين واللوائح.
وحيث إنه لا يوجد نص فى القانون يلزم جهة الإدارة بإزالة الجبانات فى الحالة الماثلة، ذلك أن قيام الأهالى بإنشاء جبانات على أرض المدعى دون صدور قرار من الوحدة المحلية المختصة بتخصيص هذه الأرض لتكون جبانة عامة يعد مخالفة يترتب عليها معاقبتهم قانونًا، فضلاً عن صدور حكم من القاضى المختص بإخراج الجثث وإعادة دفنها، ومن ثَمَّ يكون الاختصاص للقاضى المختص وليس لجهة الإدارة.
وحيث إنه لا يجوز الاستناد إلى نص المادة 10 من اللائحة التنفيذية للقانون التى أجازت للمحافظ المختص إلغاء الجبانة وإبطال الدفن فيها؛ ذلك أن النص جوازى أى أنه لا يُلزم جهة الإدارة بإلغاء الجبانة فى الحالتين المشار إليهما بهذه المادة ومن ثَمَّ لا يكون امتناعها بمثابة قرار سلبى مما يجوز الطعن عليه، فضلاً عن أن المادة المشار إليها حددت حالتين فقط لجواز إلغاء الجبانة وإبطال الدفن فيها وهما: حالة امتلاء الجبانة بالرفات وعدم وجود أماكن للدفن فيها، وعدم ملاءمة موقعها من الناحية الصحية أو العمرانية أو لدواعى الأمن العام، وذلك يكون بالنسبة للجبانات المنشأة طبقاً للقانون والمسجلة فى السجل المعد لذلك ولا يسرى ذلك على الجبانات المخالفة بدليل أن المادة أعطت للمنتفعين أو لورثتهم أولوية فى الحصول على مساحات مناسبة من الجبانات الجديدة التى يتقرر إنشاؤها بدلاً عنها، كما أنه فى جميع الأحوال لا يجوز إزالة الجبانات بعد إبطال الدفن فيها وإلغائها إلا بعد مضى عشر سنوات أولى أن يتم نقل الرفات منها على حسب الأحوال.
وحيث إنه لما تقدم يكون طلب الطاعن فى النزاع الماثل بإلزام جهة الإدارة بإزالة الجبانات المخالفة المقامة على أرض دون ترخيص غير قائم على سند صحيح، ولا يكون امتناع جهة الإدارة عن إجابة الطاعن إلى طلبه بمثابة القرار السلبى بالامتناع مما يجوز الطعن عليه بالإلغاء، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.
وحيث ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب فإنه يكون متفقاً وأحكام القانون وقائماً على أسباب صحيحة، ويكون الطعن عليه غير قائم على سند صحيح وحقيقًا بالرفض.
وحيث إن من يخسر الدعوى يلتزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، وألزمت الطاعن المصروفات.