جلسة 22 من سبتمبر سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أحمد الحسينى مسلم.
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ ممدوح حسن يوسف راضى، وأحمد محمد حامد محمد حامد، ود. محمد كمال الدين منير، وسيد عبدالله سلطان.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ محمد أحمد محمد فرج الله.
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ سيد سيف محمد حسين
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 776 لسنة 44 قضائية عليا
ـ ضباط ـ تأديبهم ـ الطعن على قرارات مجلس التأديب الابتدائى ـ ضوابطه.
المادة (60) من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971.
نَظَّم المشرع طريق الطعن بالاستئناف فى قرار مجلس التأديب الابتدائى لضباط الشرطة والذى يختص بنظره مجلس التأديب الاستئنافى لضباط الشرطة ـ أجاز المشرع لكل من الضابط المحال ووزارة الداخلية باعتبارهما طرفى الدعوى التأديبية أمام المجلس الابتدائى أو لأيهما إذا لم يرتضِ قرار مجلس التأديب الابتدائى الطعن فيه بطريق الاستئناف ـ بالنسبة للضابط يكون الطعن بالاستئناف بتقرير يقدمه كتابةً إلى مساعد الوزير المختص خلال ثلاثين يومًا من إبلاغه بالقرار مسبباً ـ بالنسبة للوزارة يكون الاستئناف فى خلال ثلاثين يومًا من تاريخ صدور قرار مجلس التأديب الابتدائى وبموجب قرار مسبب من وزير الداخلية ـ تطبيق.
ـ واجبات الموظف العام ـ أداء العمل بدقة وأمانة ـ التزام الصدق.
الدقة والأمانة المتطلبة من الموظف العام تقتضى أن يبذل أقصى درجات الحرص بأن يكون أداؤه للعمل صادرًا عن يقظة وتبصُّر بحيث يتحرى فى كل إجراء يقوم باتخاذه ما يجب أن يكون عليه الرجل الحريص من حذر وتحَوّطٍ، فإذا ما ثبت فى حق الموظف العام أنه أدى عمله باستخفاف أو غفلة أو لا مبالاة كان خارجًا بذلك عن واجب أداء العمل بدقة وأمانة، ومن ثَمَّ يكون مرتكبًا لمخالفة تأديبية تستوجب المساءلة، ولو كان الموظف حسن النية سليم الطوية، لأن الخطأ التأديبى المتمثل فى مخالفة واجب أداء العمل بصدق وأمانة لا يتطلب عنصر العمد، وإنما يتحقق بمجرد إغفال الواجب الوظيفى على الوجه المطلوب ـ كما أنه من المتعين أن يلتزم الموظف العام بالصدق فى كل ما يصدر عنه من أقوال فى مجال الوظيفة العامة، لأن الكذب فى المجال الإدارى يشكل بذاته مخالفة إدارية ـ تطبيق.
بتاريخ 5/11/1997 أودع الأستاذ/ مصطفى كمال أبو الدهب، المحامى، نائبًا عن الأستاذ/ ماهر الدربى، المحامى، بصفته وكيلاً عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن ـ قيد بجدولها بالقرم عاليه فى القرار الصادر من مجلس التأديب الاستئنافى لضباط الشرطة بجلسة 8/7/1997 ـ فى الاستئناف رقم 43 لسنة 1996 والاستئناف المقابل المقيد بذات الرقم والقاضى فى منطوقه بقبول الاستئنافين شكلاً وفى الموضوع بتعديل القرار المطعون عليه إلى مجازاة الضابط المحال بخصم ما يساوى عشرة أيام من راتبه.
وطلب الطاعن ـ للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن ـ شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار رقم 75 لسنة 1994 وقرارى مجلس التأديب الابتدائى والاستئنافى المطعون فيهما مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد تم إعلان تقرير الطعن وذلك على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوض الدولة تقريرًا بالرأى القانونى ارتات فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافى لضباط الشرطة المطعون فيه والقضاء مجدداً (أولاً) بعدم قبول الاستئناف المقام من وزارة الداخلية (ثانياً) مجازاة الطاعن بخصم أجر خمسة أيام من راتبه ونُظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون (الدائرة الخامسة) وبجلسة 26/9/2001 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الخامسة/موضوع) وحددت لنظره جلسة 30/12/2001، وقد نظرته المحكمة بتلك الجلسة والجلسات التالية لها وذلك على النحو المبين بمحاضر الجلسات، حيث قررت حجز الطعن للحكم بجلسة 7/7/2002، وفيها قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة 22/9/2002 لإتمام المداولة، حيث صدر هذا الحكم فى الطعن الماثل، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 8/7/1997، وتقدم الطاعن بتاريخ 6/9/1997 بالطلب رقم 453/43 ق. لإعفائه من الرسوم القضائية والذى تقرر رفضه بجلسة 20/11/1998 وكان الطاعن قد أودع تقرير الطعن الماثل بتاريخ 5/11/1997، فمن ثَمَّ يكون الطعن مقاماً بمراعاة المواعيد القانونية، وإذ استوفى الطعن سائر أوضاعه الشكلية، فمن ثَمَّ فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الأوراق ـ فى أنه بتاريخ 28/6/1994 توجه الطاعن ـ بصفته ضابط مباحث قسم شرطة ملوى على رأس قوة، ومعه الملازمان/ (أ) و (ب) لتنفيذ قرار النيابة بضبط المتطرف/ ………….. الصادر قرار باعتقاله، ولدى وصول القوات لمكان تواجد المذكور حاول الهرب، فأطلقت القوات عدة طلقات تحذيرية أصابته بعضها ونقل للمستشفى، حيث توفى فقام الضابط الطاعن بتحرير محضر الواقعة أثبت فيه ما تقدم وقيد برقم 31 أحوال قسم ملوى فى 28/6/1994 وتم سؤاله وزملائه بمعرفة النيابة العامة فكانت إجاباتهم على النحو المتقدم. وبتاريخ 5/7/1994 توجه الضابط الطاعن لنيابة ملوى وطلب الإدلاء بأقوال جديدة فى المحضر المذكور، حيث عدل عما سطره بمحضر الضبط وما أدلى به أمام النيابة العامة، إذ قرر بأنه شاهد الملازم/ (أ) الضابط بالأمن المركزى ممسكًا بطبنجته وأنه أخبره بأنه هو (أ) الذى أطلق الرصاصات التى أصابت المتهم أثناء هروبه، وقرر بأن ذلك كان أمام الملازم/ (ب) ضابط الأمن المركزى، والشرطى السرى/ (ج)، من قوة مباحث أمن الدولة، وقد قامت النيابة العامة على إثر ذلك باستدعاء الضابطين المرافقين للطاعن فى المأمورية فأنكرا ما قرره الطاعن، كما أعادت سؤال المجندين فقررا بما سبق تقريره بالتحقيقات. ووجهت النيابة العامة للضباط الثلاثة الاتهام بقتل المتطرف المذكور. وقد أجرت الإدارة العامة للتفتيش والرقابة للوجه القبلى تحقيقًا إداريًا مع الضابط الطاعن، ثم صدر قرار وزير الداخلية رقم 75 لسنة 1994 بإحالته إلى مجلس التأديب الابتدائى لضباط الشرطة لمحاكمته تأديبيًا لأنه بوصفه موظفًا عامًا (ضابط شرطة) ارتكب ما يلى: الخروج على مقتضى الواجب الوظيفى ومخالفة التعليمات:
1ـ لتوجهه للنيابة العامة بتاريخ 5/7/1994 والعدول عن أقواله فى المحضر رقم 31 أحوال قسم شرطة ملوى 28/6/1994 دون الرجوع لرئاسته.
2ـ الادعاء على زميله الملازم/ (أ) الضابط بقطاع المنيا للأمن المركزى بأمور لو صحت لاستوجبت محاكمته جنائيًا.
وقد تدوول نظر الدعوى التأديبية أمام مجلس التأديب الابتدائى، وذلك على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 4/2/1996 قرر المجلس مجازاة الضابط المحال بخصم ما يساوى أجر خمسة أيام من راتبه. وشيَّد المجلس قضاءه على أساس أن عدول المحال عن أقواله التى سطرها بخط يده بمحضر ضبط الواقعة وأدلى بها أمام النيابة العامة قاصدًا من ذلك إلقاء الاتهام على زميله الملازم/ (أ) دون أن يؤيده فى عدوله ثمة دليل ودون أن يستأذن رئاسته فى ذلك يعد خروجًا من جانبه على مقتضى الواجب الوظيفى ومخالفته للتعليمات. وقد أوضح المجلس أنه لا ينال مما تقدم ما ردده المحال من أنه بعدوله عن أقواله أراد التزام واجب الأمانة والصدق، حيث أراد أن يقرر الحقيقة المخالفة لما سبق أن أبدأه، فهذا الدفاع ليس له دليل من الأوراق وإنما هو مجرد قول مرسل لا يقوى على نقض ما سبق أن سطره المحال وقرره وكان متوافقًا مع أقوال الضابطين والمجندين المرافقين له، وعلى افتراض صدق أقواله اللاحقة فقد كان يتعين عليه الرجوع إلى رئاسته وعرض الأمر عليها، إذ إن ذلك لا يعد أمرًَا من الأمور الخاصة التى يستقل الضابط بها وإنما هو أمر متعلق بأداء الضابط لعمله.
ولم يلق قرار مجلس التأديب الابتدائي المشار إليه قبولاً لدى كل من وزارة الداخلية والضابط المحال فطعن كلاهما بالاستئنافين المنوه عنهما بتقريرين أودعا سكرتارية مجلس التأديب الاستئنافى بتاريخ 21/8/1994، حيث تدوول نظرهما على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 8/7/1997 أصدر المجلس قراره المطعون فيه برفع الجزاء إلى عشرة أيام، وأقام قضاءه على أساس أن أوراق الدعوى كشفت عن ثبوت ما نُسب إلى الضابط المحال، وأن ما دفع به جاء دفاعًا متهاترًا لا ينال مما ثبت بحقه وابتعد به عن مناقشة الأساس الذى قامت عليه المخالفتان المنسوبتان إليه واللتان تشكلان خروجًا جليًا على مقتضى الواجب الوظيفى ومخالفة التعليمات، إذ إن أولى مقتضيات الانضباط فى مثل الوظيفة التى يشغلها الضابط المحال وفى مثل الظروف التى يمارس فيها عمله هو ألا يبادر من تلقاء نفسه إلى العدول عن أقواله التى سطرها كتابةً ورددها شفاهةً أمام النيابة العامة إلا بعد الرجوع إلى رئاسته، خاصة وأن مقتضى ذلك العدول هو توجيه اتهام بالقتل إلى أحد زملائه وهو
ما حدث بالفعل، وهو التزام كان يجب أن يتحلى به الضابط المحال دون أن يعنى ذلك التخلى عن واجب اتباع الصدق والأمانة فى أداء العمل، وإذ التفت الضابط المحال عن ذلك الالتزام يكون قد افتقد التقدير المطلوب لفهم طبيعة عمله ومدى تأثير تصرفاته على ذلك العمل، إذ إن ما أدلى به الضابط من تلقاء نفسه من أقوال عدل بها عن أقواله السابقة إنما يتعلق فى حقيقة الأمر تعلقًا مباشرًا بأدائه لعمله وبمصلحة ذلك العمل، فلا يجب بحال أن يستقل هو بتقديرها. وخلص مجلس التأديب إلى تشديد الجزاء بمعاقبة الضابط المحال بخصم عشرة أيام من راتبه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل يقوم على أساس أن القرار المطعون فيه قد شابه الفساد فى الاستدلال والخطأ فى تطبيق القانون، وذلك لأن مجلس التأديب الاستئنافى لم يُبِنْ سبب تشديد العقوبة على الطاعن. كما أن مسلكه ليس فيه أى إخلال بواجب الأمانة والصدق إذ إن سبب عدوله عن شهادته فى المحضر رقم 301 أحوال قسم شرطة ملوى بتاريخ 28/6/1994 هو عدم كتمانه للشهادة التى حث القرآن الكريم على عدم كتمانها. ودفع الطاعن بمذكرته المودعة بجلسة 22/5/2001 بعدم قبول الاستئناف المقام من وزارة الداخلية لعدم توقيعه من الوزير.
ومن حيث إنه عن طلب الطاعن إلغاء قرار وزير الداخلية رقم75 لسنه 1994 بإحالته للمحاكمة التأديبية أمام مجلس التأديب الابتدائى لضباط الشرطة عما نسب إليه على ما سلف البيان، فمن المقرر فى قضاء المحكمة أن القرار الصادر بالإحالة إلى المحاكمة التأديبية هو من إجراءات الدعوى التأديبية ولا يرقى إلى مرتبة القرار الإدارى النهائى الذى يختص القضاء الإدارى بالفصل فى طلب إلغائه مستقلاً عن الدعوى التأديبية (الطعن رقم 996/25ق جلسة 12/5/1984) وعلى ذلك فإن المحكمة تلتفت عن طلب الطاعن سالف البيان لعدم قيامه على سند صحيح من القانون.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول استئناف وزارة الداخلية المقام طعنًا على قرار مجلس التأديب الابتدائى الصادر بتاريخ 4/2/1996، وذلك لعدم توقيعه من وزير الداخلية، فالمستفاد من نص المادة (60 ) من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 أن المشرع نظم طريق الطعن بالاستئناف فى قرار مجلس التأديب الابتدائى لضباط الشرطة والذى يختص بنظره مجلس التأديب الاستئنافى لضباط الشرطة، وقد أجاز المشرع لكل من الضابط المحال ووزارة الداخلية باعتبارهما طرفى الدعوى التأديبية أمام المجلس الابتدائى أو لأيهما إذا لم يرتضِ قرار مجلس التأديب الابتدائى الطعن عليه بطريق الاستئناف وفق الأوضاع والإجراءات المنصوص عليها فى المادة السالفة. فبالنسبة للضابط يكون الطعن بالاستئناف بتقرير يقدمه كتابةً إلى مساعد الوزير المختص خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إبلاغه بالقرار مسببًا، أما بالنسبة للوزارة فيكون الاستئناف فى خلال ثلاثين يومًا من تاريخ صدور قرار مجلس التأديب الابتدائى وبموجب قرار مسبب من وزير الداخلية وهو ما استقر عليه قضاء المحكمة فى هذا الخصوص (الطعنان رقما 1173 و 1210 لسنة 44ق جلسة 9/12/2001).
وبالبناء على ما تقدم فإنه لما كان الثابت من الأوراق أنها قد خلت من صدور قرار مسبب موقع من وزير الداخلية باستئناف قرار مجلس التأديب الابتدائى لضباط الشرطة الصادر بجلسة 4/2/1996 بمجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من راتبه، ذلك أن مذكرة مدير الإدارة العامة للتفتيش والرقابة للوجه القبلى المؤرخة 10/2/1996 التى تضمنت أسباب استئناف القرار المطعون فيه غير موقعة من وزير الداخلية بالموافقة، وإنما زُيّلت بعبارة “بالعرض على السيد الوزير أشار سيادته بالموافقة” وموقع أسفلها بتوقيع “فرمة” وبالتالى فإن هذه التأشيرة لا تتضمن بأى حال من الأحوال الاطمئنان إلى موافقة وزير الداخلية شخصيًا على استئناف قرار مجلس التأديب الابتدائى المشار إليه على ما يتطلبه حكم المادة (60) سالفة الذكر، ومن ثَمَّ لا تنعقد الخصومة أمام مجلس التأديب الاستئنافى لضباط الشرطة بالنسبة للاستئناف المقام من وزارة الداخلية، وعليه يكون قبول مجلس التأديب المذكور لهذا الاستئناف والتصدى لنظر الدعوى التأديبية بالنسبة له على الرغم من عدم اتصاله بهذا الاستئناف وفق الأوضاع التى رسمها المشرع غير ذى أثر قانونى بالنسبة للطاعن، الأمر الذى مؤداه بطلان قراره بتشديد العقوبة الموقّعة عليه ويكون الاستئناف المقبول قانونًا فى هذه الحالة مقصورًا على استئناف الطاعن والذى يجب ألا يضار بطعنه تطبيقًا للقاعدة الأصولية المستقرة فى هذا الشأن (فى هذا الاتجاه الطعن رقم 802 لسنة 44ق، جلسة 5/7/2001، والطعنان رقما 1173، 1210
لسنة 44ق المشار إليهما).
ومن حيث إنه من المقرر فى قضاء المحكمة أن الدقة والأمانة المتطلبة من الموظف العام تقتضى منه أن يبذل أقصى درجات الحرص على أن يكون أداؤه للعمل صادرًا عن يقظة وتبصُّر، بحيث يتحرى فى كل إجراء يقوم باتخاذه ما يجب أن يكون عليه الرجل الحريص من حذر وتَحوّط فإذا ما ثبت فى حق الموظف العام أنه أدى عمله باستخفاف أو غفلة أو لامبالاة كان خارجًا بذلك عن واجب أداء العمل بدقة وأمانة، ومن ثََمَّ يكون مرتكبًا لمخالفة تأديبية تستوجب المساءلة، ولو كان الموظف حسن النية سليم الطوية، لأن الخطأ التأديبى المتمثل فى مخالفة واجب أداء العمل بدقة وأمانة لا يتطلب عنصر العمد، وإنما هو يتحقق بمجرد إغفال الواجب الوظيفى على الوجه المطلوب، وإنه من المتعين أن يلتزم الموظف العام بالصدق فى كل ما يصدر عنه من أقوال فى مجال الوظيفة العامة؛ لأن الكذب فى المجال الإدارى يشكل بذاته مخالفة إدارية (فى هذا المعنى الطعن رقم 835 لسنة 34ق، جلسة 23/12/1989، والطعن رقم 128 لسنة 30ق، جلسة 12/3/1988).
وحيث إن الثابت من الأوراق ومن وقائع الدعوى التأديبية ـ على نحو ما سلف البيان ـ أن الطاعن كان قد حرر المحضر رقم 31 أحوال قسم ملوى لسنة 1994 وأثبت فيه تصويرًا معينًا لمأمورية ضبط المتطرف/ ………………. يوم 28/4/1994 وظروف إطلاق النار على المذكور وإصابته من جراء ذلك، ثم وفاته إلا أنه وبتاريخ 5/7/1994 توجه الطاعن للنيابة العامة وأدلى بأقوال جديدة مغايرة لما سبق أن قام بإثباته فى المحضر رقم 31 المشار إليه مفادها أن الملازم/ (أ) من قوة المأمورية أخبره بأنه أطلق ثلاثة أعيرة نارية على قدم المتهم المذكور والتى أدت لوفاته، وقد سمع هذا الكلام المخبر السرى (ج). وقد برر الطاعن عدم قيامه بذكر هذه الوقائع فى محضر ضبط الواقعة أو فى شهادته لأول مرة أمام النيابة العامة بأنه كان مترددًا فى الإبلاغ عن الواقعة الصحيحة، لأن ظروف الواقعة وتحريره لمحضر ضبطها وسؤاله فى النيابة العامة فور وقوعها أدت إلى إرهاقه ولكن بعد هدوئه واستقرار حالته قرر ذكر الحقيقة كاملة حتى لا يكون ناكرًا للشهادة.
ومتى كان ذلك فإنه لا شك أن تناقض الطاعن فى أقواله ـ على نحو ما سلف البيان ـ يعد إخلالاً منه بواجبات وظيفته ومقتضياتها باعتبار أن وظيفة ضابط الشرطة تفرض عليه الالتزام بالأمانة والصدق فى أداء العمل المنوط به، والتبصر والتحوط لكل أمر فى ضوء ملابساته الصحيحة، فقول الحق واجب عليه وأمر مقضى لا سبيل أمامه سواه فى كل أعماله التى تمس حقوق المواطنين وأرواحهم و ممتلكاتهم وأعراضهم، ولذلك فإن مسلك الطاعن فى الواقعة محل الاتهام يكشف عن أنه لم يلتزم قالة الحق وواجب الصدق سواء فى المحضر الأول الذى حرره، ثم أقواله فى النيابة العامة التى أبداها لأول مرة، أو كان ذلك عند توجهه للنيابة العامة وإبداء أقواله الجديدة فى الواقعة والمغايرة لما سبق أن قرره فى هذا الخصوص والتى لم يستطع أن يثبت صحة ما جاء بها على نحو ما كشفت عنه الأوراق، ومن ثَمَّ فإن الطاعن يكون قد أتى ذنبًا إداريًا يستحق أن يؤاخذ عنه على نحو ما جاء بأسباب قرار مجلس التأديب الابتدائى والذى تؤيده المحكمة فيما خلص إليه من إدانة الطاعن على ما سلف ومجازاته بخصم خمسة أيام من أجره.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافى المطعون فيه، والقضاء مجددًا بعدم قبول الاستئناف المقام من وزارة الداخلية طعنًا على قرار مجلس التأديب الابتدائى فى الدعوى رقم 75/1994 بجلسة 4/2/1996، وبتأييد قرار مجلس التأديب المشار إليه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من راتبه، ورفض الطعن المقدم عليه.